فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.موعظة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس الخامس في قصة عاد:

الحمد لله المنزه عن الأشباه في الأسماء والأوصاف المقدس عن الجوارح والآلات والأطراف خضعت لعزته الأكوان وأقرت عن اعتراف وانقادت له القلوب وهي في انقيادها تخاف أنزل القطر فمنه الدر تحويه الأصداف ومنه قوت البذور يربي الضعاف كشف للمتقين اليقين فشهدوا وأقامهم في الليل فسهروا وشهدوا وأراهم عيب الدنيا فرفضوا وزهدوا وقالوا نحن أضياف وقضى على المخالفين بالبعاد فأفاتهم التوفيق والإسعاد فكلهم هام في الضلال وما عاد {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} أحمده على ستر الخطايا والإقتراف وأصلي على رسوله محمد الذي أنزل عليه قاف وعلى صاحبه أبي بكر الذي أمن ببيعته الخلاف وعلى عمر صاحب العدل والإنصاف وعلى عثمان الصابر على الشهادة صبر النظاف وعلى علي بن أبي طالب محبوب أهل السنة الظراف وعلى عمه العباس مقدم أهل البيت والأشراف جد سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بلغه الله ما يرجو وأمنه ما يخاف قال الله: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} الأخ في القرآن على أربعة أوجه أحدها الأخ من الأب والأم أو من أحدهما ومنه {فطوعت له نفسه قتل أخيه} والثاني الأخ من القبيلة ومنه {واذكر أخا عاد}.
والثالث الإخاء في المتابعة ومنه {كانوا إخوان الشياطين} والرابع الصاحب ومنه قوله تعالى: {إن هذا أخي} والإنذار الإعلام مع التخويف والأحقاف الرمال العظام واحدها حقف وفي مكان هذه الأحقاف ثلاثة أقوال أحدها بالشام قاله ابن عباس والثاني بين عمان ومهيرة قاله عطية والثالث أرض يقال لها الشحر نحو البحر قاله قتادة وقال ابن إسحاق كانت منازلهم فيما بين عمان إلى حضرموت باليمن كله وكانوا قد فسدوا في الأرض وقهروا أهلها بفضل قوتهم وكانوا أصحاب أوثان فاتبعه ناس يسير وكتموا إيمانهم قال مقاتل كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعًا وقال مجاهد وكان الرجل منهم لا يحتلم حتى يبلغ مائتي سنة {وقد خلت النذر} أي مضت من قبل هود ومن بعده وقوله: {لتأفكنا عن آلهتنا} أي لتصرفنا عن آلهتنا بالإفك {قال إنما العلم عند الله} أي هو يعلم متى يأتيكم العذاب {فلما رأوه} يعني ما يوعدون {عارضا} أي سحابا يعرض في ناحية السماء وقوم عاد هؤلاء أولاد عوص بن إرم ابن سام بن نوح وهي عاد الأولى بعث الله تعالى إليهم هود بن عبد الله بن رباح ابن الخلود بن عاد بن شالخ بن أرفخشذ بن سام كانوا يعبدون الأوثان فدعاهم إلى التوحيد فكلما أنذرهم زاد طغيانهم فحبس الله تعالى عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا فبعثوا إلى مكة وفدًا يستسقي لهم لهم وكانوا سبعين رجلًا منهم قيل ونعيم وجلهمة ولقمان بن عاد ومرثد بن سعد وكان مرثد مؤمنًا يكتم إيمانه وكان الناس مؤمنهم وكافرهم إذا جهدوا سألوا الله تعالى عند الكعبة فنزلوا على بكر بن معاوية وكان خارجًا من الحرم فأكرمهم وكانوا أصهاره وأخواله وكان سكان مكة العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح فجعل بكر يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان شهرًا فلما رأى بكر طول مقامهم عنده قال هلك أخوالي وأصهاري هؤلاء ضيفي فما أدري ما أصنع وأستحي أن آمرهم بالخروج فشكا ذلك إلى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرًا تغنيهم به لا يدرون من قاله فقال:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم ** لعل الله يمنحنا غماما

فتسقي أرض عاد إن عادًا ** قد أمسوا لا يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو ** به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهم بخير ** وقد أمست نساؤهم عيامى

وإن الوحش تأتيهم نهارا ** ولا تخشى لعادي سهاما

وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ** نهاركم وليلكم التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم ** ولا لقوا التحية والسلاما

فلما سمعوا هذا قالوا ويحكم ادخلوا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد إنكم والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم سقيتم فقال جلهمة احبسوا عنا هذا ولا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود ثم خرجوا يستسقون فنشأت ثلاث سحائب بيضاء وحمراء وسوداء ثم نودي منها يا قيل اختر فقال أختار السوداء لأنها أكثر ماء وقيل للوفد اختاروا فقال مرثد يا رب أعطني صدقا وبرا فأعطي وقال لقمان بن عاد أعطني عمرًا فاختار عمر سبعة أنسر فكان يأخذ الفرخ حين يخرج من البيضة ويأخذ الذكر لقوته حتى إذا مات أخذ غيره إلى أن ماتت السبعة فمات وأما السحابة فساقها الله تعالى إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له مغيث فلما رأوها استبشروا بها وقالوا: {هذا عارض ممطرنا}.
فكان أول من رأى ما فيها امرأة منها فصاحت وصعقت فقيل لها ما رأيت فقالت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم {سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} أي متتابعة ابتدأت غدوة الأربعاء آخر أربعاء في الشهر وسكنت في اليوم الثامن واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلتذ عليه النفوس فكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت وترفع الرجال والنساء بين السماء والأرض فتدق رقابهم فيبين الرأس عن الجسد فذلك معنى قوله: {كأنهم أعجاز نخل خاوية} ثم تدمغهم بالحجارة قال عمر بن ميمون كانت الريح تحمل الظعينة فترفعها حتى ترى كأنها جرادة حدثنا عبد الوهاب بن المبارك أنبأنا عاصم بن الحسن أنبأنا علي بن محمد بن بشران حدثنا الحسن بن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي حدثنا ابن عبد الوهاب حدثنا محمد بن يزيد عن جويبر حدثني أبو داود أنه سمع ابن عباس يقول أول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من رجالهم ومواشيهم يطير بين السماء والأرض مثل الريش فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح ففتحت أبوابهم وهالت عليهم بالرمل فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ثم قبضت أرواحهم وطرحتهم الريح وأُلقوا في البحر {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} وقال مقاتل بعث الله طيرًا أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر فانظروا رحمكم الله كيف أهلك الخلق العظيم بالريح التي هي ألطف الأشياء ليبين أثر القدرة جل جلاله وكذلك يميت الخلق عند نفخة ويحييهم عند نفخة فسبحان من بانت سطوته للمعاندين فقهرت وظهرت آثار قدرته للمتقين فبهرت كم عذب مريض بريح في حشاه يختلف إلى أن تلف.

.الكلام على البسملة:

سلطانه في خلقه قاهر ** وأمره في ملكه باهر

سطوته باطشة بالورى ** في ذرة معجزها ظاهر

إذا تجلى في جلال العلا ** ذل له الأول والآخر

كن حاذرًا من بطشه إنه ** في أمره وقهره قادر

ولطفه في عطفه راحم ** وسيفه في خلقه باتر

أيها النائم وهو منتبه المتحير في أمر لا يشتبه يا من قد صاح به الموت في سلب صاحبه يا إخوان الغفلة تيقظوا يا أقران البطالة تحفظوا يا أهل المخالفة اقبلوا يا معرضين عنا أقبلوا يا مبارزين بالذنوب لا تفعلوا.
أين من كان قبلنا أين أينا ** من أناس كانوا حجالًا وزينا

إن دهرا أتى عليهم فأفنى ** عددا منهم سيأتي علينا

خدعتنا الآمال حتى جمعنا ** وطلبنا لغيرنا وسعينا

وابتغينا من المعاش فضولا ** لو قنعنا بدونها لاكتفينا

ولعمري لنمضين ولا نمضي ** بشيء منها إذا ما مضينا

كم رأينا من ميت كان حيا ** ووشيكًا يرى بنا ما رأينا

ما لنا نأمن المنايا كأنا ** لا نراهن يهتدين إلينا

عجبًا لامرئ تيقن أن الموت ** حق فقر بالعيش عينا

أسفا لمن ضيع الأوقات وقد عرفها وسلك بنفسه طريق الهوى فأتلفها أنس بالدنيا فكأنه خلق لها وأمله لا ينتهي وأجله قد انتهى سلمت إليه بضائع العمر فلعب بها لقد ركن إلى ركن ما لبث أن وهى عجبا لعين أمست بالليل هاجعة ونسيت أهوال يوم الواقعة ولأذن تقر عنها المواعظ فتضحي لها سامعة ثم تعود الزواجر عندها ضائعة ولنفوس أضحت في كرم الكريم طامعة وليست له في حال من الأحوال طائعة ولأقدام سعت بالهوى في طرق شاسعة بعد أن وضحت لها سبل فسيحة واسعة ولهمم أسرعت في شوارع اللهو شارعة لم تكن مواعظ العقول لها نافعة ولقلوب تضمر التوبة عند الزواجر الرائعة ثم يختل العزم بفعل ما لا يحل مرارًا متتابعة ثالثة بعد ثانية وخامسة بعد رابعة كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب وكم ظلام أسبل ستره وأنت في عجائب وكم أسبغت عليك نعمه وأنت للمعاصي توائب وكم صحيفة قد ملأها بالذنوب الكاتب وكم ينذرك سلب رفيقك وأنت لاعب يا من يأمن الإقامة قد زمت الركائب أفق من سكرتك قبل حسرتك على المعايب وتذكر نزول حفرتك وهجران الأقارب وانهض على بساط الرقاد وقل أنا تائب وبادر تحصيل الفضائل قبل فوت المطالب فالسائق حثيث والحادي مجد والموت طالب.
لأبكين على نفسي وحق ليه ** يا عين لا تبخلي عني بعبرتيه

لأبكين فقد بان الشباب وقد ** جد الرحيل عن الدنيا برحلتيه

يا نأي منتجعي يا هول مطلعي ** يا ضيق مضطجعي يا بعد شقتيه

المال ما كان قدامي لآخرتي ** ما لا أقدم من مالي فليس ليه

أسفا لغافل لا يفيق بالتعريض حتى يرى التصريح ولا تبين له جلية الحال إلا في الضريح كأنه وقد ذكره الموت فأفاق فانتبه لنفسه وهو في السباق واشتد به الكرب والتفت الساق بالساق وتحير في أمره وضاق الخناق وصار أكبر شهواته توبة من شقاق هيهات مضى بأوزاره الثقيلة وخلا بأعماله واستودع مقيله وغيب في الثرى وقيل لا حيلة وبات الندم يلزمه وبئس اللاحي له فتفكروا إخواني في ذلك الغريب وتصوروا أسف النادم وقلق المريب فلمثل حاله فليحذر اللبيب وهذا أمر تبعده الآمال وهو والله قريب.
أبصرته ملقى يجود بنفسه ** قد كلل الرشح الغزير جبينه

لا يستطيع إجابتي من ضعفه ** طورًا يكف شماله ويمينه

وطبيبه قد حار فيه وقد رأى ** أنفاسه تعلو معًا وأنينه

قد عاف مشروباته وطعامه ** وقلى لذاك صديقه وخدينه

إخواني سلوا القبور عن سكانها واستخبروا اللحود عن قطانها تخبركم بخشونة المضاجع وتعلمكم أن الحسرة قد ملأت واضع فإن المسافر يود لو أنه راجع فليتعظ الغافل وليراجع.
يا واقفًا يسأل القبور أفق ** فأهلها اليوم عنك قد شغلوا

قد هالهم منكر وصاحبه ** وخوف ما قدموا وما عملوا

رهائن للثرى على مدر ** يسمع للدود بينهم زجل

سرى البلى في جسومهم فجرت ** دمًا وقيحًا وسالت المقل

سكرى ولم يشربوا الفقار ومن ** كؤوس المنون ما نهلوا

ينتظرون النشور إذ يقف ** الأملاك والأنبياء والرسل

يومًا ترى الصحف فيه طائرة ** وكل قلب من أجله وجل

قد دنت الشمس من رءوسهم ** والنار قد أبرزت لها شعل

وأزلفت جنة النعيم فيا ** طوبى لقوم بربعها نزلوا

أكوابهم عسجد يطاف بها ** والخمر والسلسبيل والعسل

والحور تلقاهم وقد هتكت ** عن وجهها الأستار والكلل

.الكلام على قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون}:

قال ابن عباس رضي الله عنهما هذا وعيد للظالم وتعزية للمظلوم أخبرنا هبة الله بن محمد أنبأنا الحسن بن علي أنبأنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الرحمن بن أحمد حدثني أبي حدثنا موسى بن داود حدثنا عبد العزيز بن سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة أخبرنا يحيى ابن علي المدير أنبأنا عبد الصمد بن المأمون حدثنا الدارقطني أخبرنا يحيى بن صاعد حدثنا محمد بن هشام المروزي حدثنا أبو معاوية عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} الحديثان في الصحيحين.
أخبرنا عبد الخالق بن عبد الصمد أخبرنا ابن النقور أنبأنا المخلص أنبأنا البغوي حدثنا أبو روح البلدي حدثنا ابن شهاب الخياط عن ابن عون عن إبراهيم عن ابن شريح قال سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر أخبرنا محمد بن ناصر أنبأنا علي بن أيوب أنبأنا أبو علي بن شاذان أخبرنا الطوماري حدثنا ابن البراء حدثنا عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال بنى جبار قصرا وشيده فجاءت عجوز مسلمة فبنت إلى ظهر قصره كوخا تعبد الله فيه فركب الجبار يوما فطاف بفناء القصر فرأى الكوخ فقال ما هذا فقيل له امرأة هاهنا ثاوية فأمر به فهدم ولم تكن المرأة حاضرة فجاءت فرأته قد هدم فقالت من فعل هذا فقيل لها إن الملك ركب فرآه فأمر بهدمه فرفعت طرفها إلى السماء وقالت يا رب أنا لم أكن فأنت أين كنت قال فأمر الله عز وجل جبريل أن يقلب القصر على من فيه.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرًا ** فالظلم آخره يأتيك بالندم

تنام عيناك والمظلوم منتصب ** يدعو عليك وعين الله لم تنم

.السجع على قوله تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}:

المعنى تشخص أبصار الخلائق لظهور الأهوال فلا تغمض الويل لأهل الظلم من ثقل الأوزار ذكرهم بالقبائح قد ملأ الأقطار يكفيهم أنهم قد وسموا بالأشرار ذهبت لذاتهم بما ظلموا وبقي العار وداروا إلى دار العقاب وملك الغير الدار وخلوا بالعذاب في بطون تلك الأحجار فلا مغيث ولا أنيس ولا رفيق ولا جار ولا راحة لهم ولا سكون ولا مزار سالت دموع أسفهم على مسلفهم كالأنهار شيدوا بنيان الأمل فإذا به قد انهار أما علموا أن الله جار المظلوم ممن جار فإذا قاموا في القيامة زاد البلاء على المقدار {سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} لا يغرنك صفاء عيشهم كل الأخير أكدار {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} قوله تعالى: {مهطعين} فيه ثلاثة أقوال أحدها أن الإهطاع النظر من غير أن يطرف الناظر قاله ابن عباس والثاني أنه الإسراع قاله الحسن وابن جبير قال ابن قتيبة أهطع البعير في سيره إذا أسرع وفيما أسرعوا إليه قولان أحدهما الداعي قاله قتادة والثاني النار قاله مقاتل والثالث أن المهطع الذي لا يرفع رأسه قاله ابن زيد قوله تعالى: {مقنعي رءوسهم} فيه قولان أحدهما رافعي رءوسهم قاله ابن عباس وابن جبير وقال ابن قتيبة المقنع الذي رفع رأسه وأقبل بطرفه إلى ما بين يديه وقال الزجاج رافعي رءوسهم ملتصقة بأعناقهم والثاني ناكسي رءوسهم قاله المؤرج قوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم} والمعنى أن نظرهم إلى شيء واحد قال الحسن وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد قوله تعالى: {وأفئدتهم هواء} في معنى الكلام قولان أحدهما أن القلوب خرجت من مواضعها فصارت في الحناجر رواه عطاء عن ابن عباس.
وقال قتادة: خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم {وأفئدتهم هواء} أي ليس فيها شيء والثاني أن أفئدتهم متجوفة لا تغني شيئًا من الخوف قاله الزجاج وقال أبو عبيدة أفئدتهم جوف لا عقول لها وقال ابن قتيبة متجوفة من الخوف قوله تعالى: {وأنذر الناس} أي خوفهم {يوم يأتيهم العذاب} يعني يوم القيامة {فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب} أي أمهلنا مدة يسيرة قال مقاتل سألوا الرجوع إلى الدنيا {نجب دعوتك} يعنون التوحيد فقال لهم {أولم تكونوا أقسمتم من قبل} أي حلفتم بالدنيا أنكم لا تبعثون {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} أي نزلتم في أماكنهم وقراهم كالحجر ومدين وغيرهما من القرى التي عرفت ومعنى ظلموا أنفسهم ضروها بالكفر والمعصية {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} أي حربناهم وكان ينبغي لكم أن تنزجروا عن الخلاف {وضربنا لكم الأمثال} أي بينا لكم الأشباه {وقد مكروا مكرهم} في المشار إليه أربعة أقوال أحدها أنه نمرود قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال نمرود لا أنتهي حتى أنظر إلى السماء فأمر بأربعة من النسور فربيت واستعجلت ثم أمر بتابوت فنحت ثم جعل في وسطه خشبة وجعل على رأس الخشبة لحمًا شديد الحمرة ثم جوعها وربط أرجلها بأوتار إلى قوائم التابوت ودخل هو وصاحب له في التابوت وأغلق بابه ثم أرسلها فجعلت تريد اللحم فصعدت في السماء ما شاء الله تعالى ثم قال لصاحبه افتح فانظر ماذا ترى ففتح فقال أرى الأرض كأنها الدخان فقال أغلق فصعد ما شاء الله تعالى ثم قال افتح فقال ما أرى إلا السماء وما تزداد منها إلا بعدًا فقال صوب خشبتك فصوبها فانقضت النسور تريد اللحم فسمعت الجبال هدتها فكادت تزول عن مواضعها والثاني أنه بختنصر وأن هذه القصة له جرت وأن النسور لما ارتفعت نودي يا أيها الطاغي أين تريد ففرق فنزل فلما رأت الجبال ذلك ظنت أنه قيام الساعة فكادت تزول وهذا قول مجاهد والثالث أن الإشارة إلى الأمم المتقدمة ومكرهم شركهم قاله ابن عباس والرابع أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله وأخرجوه ذكره بعض المفسرين قوله تعالى: {وعند الله مكرهم} أي جزاؤه {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} من كسر اللام الأولى فإن المعنى وما كان مكرهم لتزول منه الجبال أي هو أضعف وأهون ومن فتح تلك اللام أراد قد كادت الجبال تزول من مكرهم وفي المراد بالجبال قولان أحدهما الجبال المعروفة قاله الجمهور والثاني أنها ضربت مثلًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وثبوت دينه كثبوت الجبال الراسية والمعنى لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال لما زال أمر الإسلام قاله الزجاج ويدل على هذا قول الله عز وجل: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} والمعنى أنه قد وعدك بالنصر عليهم {إن الله عزيز ذو انتقام} من الكافرين {يوم تبدل الأرض غير الأرض} وفي معنى تبديلها قولان أحدهما أنه تبدل بأرض بيضاء كأنها فضة.